عودة إلى صفحة المدونة

اللغة العربية فخر وهوية.. ظاهرة ذوبان اللغة

January 12, 2021
اللغة العربية فخر وهوية.. ظاهرة ذوبان اللغة

سأتكلم عن ظاهرة طاغية في وقتنا الحالي وملحوظة بشدة في المجتمعات الهندسية والتقنية العربية، ولا يكاد يسلم منها حتى “المثقفون” والمؤثرون والمعلمون بل تكثر فيهم أكثر من غيرهم وتنتقل منهم للآلاف غيرهم كالعدوى.

لماذا كمهندس أو تقني تمزج بين الإنجليزية والعربية حين تتحدث في أي سِياق عِلمي، هندسي، برمجي أو تقني؟

هل زاد بريقُ كلماتِك حين قُلت "يـdecrypt الـ message" بدلاً من "يفك تشفير الرسالة"؟ أم هل أصبح كلامُك أيسر للسامع حين قلت "محتاج solution للـ problem دي" بدلاً من "محتاج حل للمشكلة دي"؟

هل بقولك "solution" أصبحت الآن في نظر سامِعِك أكثر علماً؟ أم هو شعور "النقص" أمام الغربيّ "المتحضر"!

هل رأيت مهندساً صينياً يتحدث في بلده الصين مخاطباً طلابه أو زملاءه الصينيين بكلماتٍ نصفها صينية ونصفها إنجليزية؟ نجد في كثير من الأحيان الكثير من المشاريع البرمجية مفتوحة المصدر على منصة Github التي كُتبت وثائقها ومرجعها باللغة الصينية واليابانية رغم أنهم في موضع نشر هذه المشاريع عالمياً ومن المفترض أن تُستعمل لغة يفهمها أغلب الناس ولكن يصرون على استعمال لغتهم، ويحدث كثيرا أن نجد وثائق مكتوبة أولاً باللغة الصينية أو اليابانية وثم مُترجمة تحتها للإنجليزية، أما أن تصادفنا اللغة العربية في نموذج مماثل فهذا أمر نادر ويكاد يكون غير موجود!

يا صديقي نتعلم الإنجليزية لنتمكن من تِلك العلوم ومصادرها ويستعملنا الله في نقل ما نستطيع منها إلى العربية، ﻻ لتتساقط الأحرف العربية من ألسنتنا لتحل محلها الإنجليزية.

فحين نتعلم الإنجليزية أو نقول تعلم الإنجليزية فنحن نتعلمها لهدف، لتتمكن من فهم لمصادر العلم الإنجليزية من كتب ومقالات وفيديوهات ودورات، لتتحدث مع أهل هذه اللغات بلغتهم مباشرةً، لاحتكاك عملك مع مجتمعات أخرى تُتقنها، ﻻ لتستبدل لغتك الأم بها وتأتي في قلب بلاد العرب لتحدث شبابها بلسان الغربي!

فاللغة هوية، والأيام دول، فهذا الغربي “المتحضر” في نظرك كان قديما -في عصور الظلام الأوروبية- يَقصد العواصم الإسلامية سواء بغداد أو قرطبة في الأندلس أو غيرهما قبل أن يباشر بتعلم الهندسة أو الفيزياء أو الكيمياء أو الطب أو الفلك، ليتعلّم العربية أولاً ثم يبدأ بتعلم تلك العلوم، ولكن هل عاد هذا الغربي ليحدث قومَه أو ينقل علمَه بالعربية؟ ﻻ، بل ترجم ما يمكن ترجمته من الكنوز المعرفية العربية إلى اللاتينية -اللغة السائدة في أوروبا حينها- لتبدأ بعدها عصور نهضتهم وتستمر إلى اليوم… لم ينهض بلغتِك بل بلغته.

فبدلاً من إثراء مُصطلحاتها وتعريب تلك العلوم الغربية ومساهمتك في ترجمة المقالات والكتب أو نقل ما حصلته من معارف وعلوم لمجتمعك بلغتك تأتي وتمزج الحروف العربية بكلمات إنجليزية والأدهى أنك تفعل هذا حتى في الكلمات العامة خارج السياق العلمي، فتقول “هنـ run الكود” أو تقول “هنـ choose الـ option التالت”!!

الخلاصة: حين تتحدث بالعربية لا تخلطها بغيرها، وحين تُخاطب عربياً خاطبه بلغتك ولغته، وحين تتحدث ولو في نطاق علمي وهندسي وتقني فمادام الأمر ممكنا أن تستعمل لغتك الأم فافعل، واعلم أن التقليل من العربية هو تقليل منك قبلها.

اللغة العربية اللغة هوية الهوية اللغوية ذوبان اللغة

وجدت خطأ أو تريد المساهمة في محتوى المقال؟ عدل الصفحة على Github